ماذا يعني الإعلان الإسرائيلي عن المرحلة الثالثة من حرب غزة؟
وفي حديث لصحيفة نيويورك تايمز، نوّه هاغاري عن خفض أعداد القوات البرية وكذلك الغارات الجوية الإسرائيلية على القطاع، قائلا إن “الحرب انتقلت إلى مرحلة مغايرة هي المرحلة الثالثة من حرب غزة، لكن هذا الانتقال لن يكون مصحوبا بمراسم”.
تصريحات هاغاري عن بدء المرحلة الثالثة من حرب غزة جاءت غداة تصريحات شبيهة أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لصحيفة وول ستريت جورنال، قال فيها إن جيش بلاده “بصدد الانتقال من المناورة الحربية المكثفة إلى أنساق أخرى من العمليات الخاصة”.
ورغم خروج هاغاري بشكل يومي في إفادات للإعلام الإسرائيلي، جاءت تصريحاته هذه المرة للخارج، قبيل زيارة لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لإسرائيل هي الخامسة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ورأى سعيد عكاشة، خبير الشؤون الإسرائيلية في مركز الأهرام للدراسات، أن تلك التصريحات- التي لم تصدر في بيان رسمي عن وزارة الدفاع الإسرائيلية- إنما تستهدف تهدئة الولايات المتحدة التي تضغط بشدة على صعيد الانتقال إلى مرحلة تقتصر فيها العملية العسكرية الإسرائيلية على عمليات خاصة داخل القطاع.
وفي حديث لبي بي سي، وصف عكاشة هذه التصريحات الإسرائيلية عن بدء المرحلة الثالثة من حرب غزة بأنها “غير جادة ومراوغة”؛ كونها لا يتم تنفيذها على الأرض، مستبعداً أن تخدم الهدف المرجو منها.
ورأى مراقبون أن تصريحات غالانت وهاغاري هي بمثابة إعلان لبدء المرحلة الثالثة من حرب غزة بعد مرحلتي القصف المكثف والاجتياح البري.
“الجميع يعرف”
قال جاك نيريا، مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين، إن “الإسرائيليين يدركون تماما أن المرحلة الثالثة قد بدأت بالفعل وقد شاهدوا سحب قوات من غزة وعودة كثيرين من قوات الاحتياط إلى بيوتهم. فالجميع يعرف أننا في المرحلة الثالثة”.
وأضاف نيريا لقناة آي 24 الإسرائيلية: “بحسب مسؤولين في الجيش سيكون 2024 بالكامل عام حرب”.
وبتقليص أعداد القوات الإسرائيلية في داخل غزة، يرجّح مراقبون أن تمتد المرحلة الجديدة إلى شهور عديدة، وهو ما أشار إليه غالانت في حديثه لصحيفة وول ستريت جورنال من أن التكتيكات العسكرية “تستغرق بعض الوقت”.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين أمريكيين الاعتقاد بأن أعداد القوات الإسرائيلية في شمال قطاع غزة قد تراجعت إلى نحو نصف ما كانت عليه الشهر الماضي في ذروة الحرب (50 ألف جندي).
وفي حديث لبي بي سي، رأى سيد غنيم، الأستاذ الزائر بالأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل، أن إسرائيل تستهدف في المرحلة الثالثة “إنشاء نظام أمني جديد في القطاع وخلق واقع أمني جديد لمواطني ودولة إسرائيل ولسكان المستوطنات بالمنطقة المحيطة بغزة، ثم إنهاء مسؤولية إسرائيل عن الحياة اليومية في القطاع”.
ويعتقد غنيم أن السبيل الذي ستسلكه إسرائيل لتحقيق هذا الهدف يتمثل في “سحب القوات الإسرائيلية تدريجيا من القطاع، مع خلق منطقة أو مناطق عازلة في قطاع غزة”.
أهم سمات المرحلة الثالثة
من المتوقع أن تشهد المرحلة الثالثة من حرب غزة خفضا كبيرا في العمليات العسكرية داخل قطاع غزة، بحسب مسؤولين إسرائيليين.
وقال هاغاري لصحيفة نيويورك تايمز إن إسرائيل ستركز في هذه المرحلة على “معاقل حماس في جنوب ووسط القطاع، لا سيما حول خان يونس ودير البلح”.
ويتوقع مسؤولون أمريكيون أن تعتمد المرحلة الثالثة من حرب غزة أكثر على “مهام موضعية تتولى تنفيذها مجموعات صغيرة من قوات النخبة الإسرائيلية والتي ستتحرك داخل وخارج تجمعات سكنية في قطاع غزة بحثاً عن قيادات حماس لقنصهم وعن الرهائن المختطفين لإنقاذهم، فضلاً عن تدمير الأنفاق”، بحسب نيويورك تايمز.
ويعتقد لواء أركان حرب محمد الشهاوي، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، في حديث لبي بي سي، أن المرحلة الثالثة من حرب غزة ستشهد استهداف قيادات الفصائل الفلسطينية في الخارج، فضلاً عن استهداف مناطق بعينها، بدلا من انتهاج سياسة الأرض المحروقة كما كان في المرحلتين السابقتين.
ويقول سعيد عكاشة لبي بي سي: “هذه المرحلة ستشهد كل أنساق القتال؛ “فهناك مناطق قد تكون مؤمّنة إسرائيلياً إلى حدّ ما فتكون تصفية الجيوب الموجودة بها عبر عمليات استخباراتية، وهناك مناطق أخرى ستستمر فيها الغارات، وكلما سقطت أعداد كبيرة من الجنود الإسرائيليين في القطاع كان استعداد إسرائيل أكبر للعودة للقصف العنيف حتى للمناطق المدنية”.
وتحدث جاك نيريا عن تنفيذ عمليات في غزة ولو على نطاق واسع وبطرق مختلفة، قائلا: “سينسحب الجيش تارة ويعيد الانتشار تارة أخرى.. وسيقوم بتنفيذ عمليات استهداف دقيقة للغاية مستعيناً في ذلك بالاستخبارات”.
أما الأمريكيون، فيرون في هذه المرحلة الثالثة فرصة سانحة لعودة أولئك الذين شرّدتهم الحرب من بيوتهم.
وبحسب موقع فلسطين كرونيكل، فإن الأمريكيين هم من ألحّوا في استخدام عبارة “عمليات موضعية” قبل أن يعتمدها الإسرائيليون بعد ذلك في الحديث عن المرحلة الثالثة من هذه الحرب.
لماذا لجأت إسرائيل إلى الإعلان عن المرحلة الثالثة؟
فضلاً عن أن المرحلة الثالثة تأتي استجابة لضغوط دولية في ظل ارتفاع أعداد القتلى المدنيين في غزة وتردّي الأوضاع الإنسانية في القطاع، إلا أنه وعلى مدى المرحلة الثانية من الحرب (مرحلة الاجتياح البري)، تأكد الجيش الإسرائيلي أنه يحتاج إلى شهور متواصلة عديدة لتدمير شبكة الأنفاق التي يستخدمها مقاتلو حركة حماس (ويمتد طولها إلى مئات الكيلومترات تحت القطاع)، بحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية.
وقال اللواء الشهاوي إن إسرائيل تكبّدت خلال المرحلتين السابقتين خسائر فادحة اضطرت معها إلى سحْب عدد خمسة ألوية، بالإضافة إلى لواء ميكانيكي وقعت به خسائر كبيرة، من شمال قطاع غزة.
وأشارت الإيكونوميست في هذا الصدد إلى أن هذه الحرب كبّدت إسرائيل بالفعل خسائر اقتصادية فادحة؛ فمنذ اندلاعها استدعت إسرائيل حوالي 360 ألفا من قوات الاحتياط، جنبا إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي الأساسي– ما يعني تجنيد أكثر من نصف مليون من تعداد الإسرائيليين الذي يقل عن عشرة ملايين نسمة.
وقال مسؤول إسرائيلي، لوكالة رويترز للأنباء، إن تقليص عدد القوات سيسمح بعودة جزء من جنود الاحتياط إلى الحياة المدنية، في محاولة لدعم الاقتصاد الإسرائيلي المتضرر بالحرب.
لكن سعيد عكاشة يرى أن الاقتصاد وإن كان مهما، فإن العنصر الحاسم في هذا الصدد هو الحسابات الأمنية، لا سيما مع رغبة غالبية المجتمع الإسرائيلي في مواصلة الحرب حتى القضاء على حماس.
ما هي حماس وماذا يحدث في إسرائيل وقطاع غزة؟
“اليوم الأكثر قسوة”
يشير الحديث عن الانتقال إلى مرحلة ثالثة ضمنياً إلى نجاح المرحلتين السابقتين من الحرب، وهو ما تصرّ عليه إسرائيل – سواء بشكل كليّ أو جزئي- بينما تقول الوقائع على الأرض شيئا مغايرا، بحسب موقع فلسطين كرونيكل.
وتمثلت أهداف إسرائيل من هاتين المرحلتين في: تفكيك أوصال الفصائل الفلسطينية المسلحة في شمال غزة، وتدمير قدرات تلك الفصائل في وسط وجنوب القطاع.
وعلى الأرض، وفي اليوم نفسه الذي أعلن فيه هاغاري عن بدء المرحلة الثالثة، قصفت كتائب القسام وسرايا القدس تل أبيب من جنوب غزة– فيما وصفته القناة الثانية عشرة الإسرائيلية بـ “اليوم الأكثر قسوة” على الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب في غزة.
وفي ذلك نشر موقع وور ووتش، عبر منصة إكس (تويتر سابقا) يقول: “عقب إعلان هاغاري عن إتمام عملية تأمين شمال غزة، أطلقت الفصائل الفلسطينية من ذلك الشمال نفسه رشقة صاروخية باتجاه مدن إسرائيلية”.
نهاية الحرب
يرى موقع فلسطين كرونيكل في إعلان إسرائيل عن المرحلة الثالثة من الحرب محاولة لإنهاء تلك الحرب بخطى بطيئة من دون الإعلان رسميا عن هذه النهاية.
لكن جاك نيريا إذ يؤكد بدء المرحلة الثالثة، فإنه يؤكد كذلك أن ذلك لا يعني أن الحرب انتهت.
ويقول نيريا: “لا حديث عن نهاية للحرب. هذا ليس مطروحا على الطاولة في الوقت الراهن”.
ويرى سعيد عكاشة أن الرأي العام الإسرائيلي الآن لا يتصور أن تنتهي الحرب أو أن يُعلَن عن نهايتها بشكل رسمي قبل أن تحقق أهدافها.
ويشير عكاشة إلى استطلاع رأي أجراه مؤخرا معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أظهر أن أكثر من 90 في المئة من الإسرائيليين يريدون أن تستمر الحرب حتى القضاء على حماس تماما وهو هدف صعب تحقيقه، بحسب عكاشة.