حظر الأونروا في فلسطين: ضربة للعمل الإنساني وأزمة تهدد حياة الملايين

تعد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أحد الأعمدة الأساسية للعمل الإنساني الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. منذ تأسيسها عام 1949، تولت الوكالة مهمة تقديم الدعم والخدمات لأكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني يتوزعون بين الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا والأردن. وتهدف الأونروا إلى تحسين حياة اللاجئين الفلسطينيين من خلال تقديم خدمات أساسية في مجالات التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الإغاثية، لتوفر لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة في ظروف النزوح المستمرة منذ النكبة عام 1948.

وفي عام 1967، سُمح للأونروا بالعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد توقيع اتفاقية مع إسرائيل، لتباشر عملها في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس. وركزت الوكالة على تقديم خدمات أساسية للفلسطينيين في هذه المناطق، حيث أسست المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والاجتماعية لتلبية احتياجات اللاجئين المتزايدة. وعلى مر العقود، تمكنت الأونروا من بناء نظام تعليمي متكامل يضم مئات المدارس في الضفة الغربية وقطاع غزة، يوفر التعليم الأساسي لأكثر من نصف مليون طالب فلسطيني، كما ساهمت بشكل فعال في دعم النظام الصحي والاجتماعي وتوفير المساعدات الإغاثية الضرورية.

قرار حظر نشاط الأونروا في الأراضي الفلسطينية

في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر الكنيست الإسرائيلي قراراً يقضي بحظر نشاط الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالكامل. وجاء هذا القرار بناءً على اتهامات من الجانب الإسرائيلي للوكالة وموظفيها بالمشاركة في الهجوم الذي شنته المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتزعم إسرائيل أن موظفي الأونروا كانوا على صلة بهذا الهجوم، وهي اتهامات نفتها الوكالة بشدة، مؤكدةً أنها مؤسسة إنسانية لا تتبنى أي انحيازات سياسية أو دعم لأي أطراف في النزاع.

ومن المقرر أن يدخل قرار الحظر حيز التنفيذ خلال ثلاثة أشهر، مما يعني أن الأونروا ستكون مجبرة على إنهاء جميع أنشطتها وخدماتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحلول العام القادم. وبهذا القرار، ستكون المنظومة الإنسانية الأساسية التي يعتمد عليها ملايين الفلسطينيين مهددة بالانهيار، حيث ستُمنع المساعدات الإغاثية الأساسية، ويُحرم اللاجئون الفلسطينيون من الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدمها الأونروا. ويضع هذا القرار مستقبل مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين على المحك، ويهدد بإسقاط نظام تعليمي متكامل تشرف عليه الوكالة ويعتمد عليه اللاجئون الفلسطينيون بالكامل.

إدانة دولية لقرار الحظر

لاقى قرار الكنيست الإسرائيلي حظر نشاط الأونروا في الأراضي الفلسطينية إدانات واسعة من دول إقليمية وغربية ومنظمات دولية، حيث أعربت عدة دول في الاتحاد الأوروبي ومنظمات أممية عن قلقها من تداعيات القرار على حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. واعتبر العديد من المراقبين أن قرار الحظر يمثل ازدراءً للمجتمع الدولي وللجهود الأممية المبذولة لتحقيق الاستقرار الإنساني في المنطقة. كما ترى هذه الدول والمنظمات أن القرار محاولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل كامل، وهو ما يمثل تجاوزاً واضحاً للقيم الإنسانية والقوانين الدولية، ويضعف جهود السلام والاستقرار في المنطقة.

اقرأ ايضاً
قطر تدين مصادرة الاحتلال مقر الأونروا في القدس الشرقية المحتلة

وبالنظر إلى أن الأونروا هي الجهة الدولية الوحيدة التي تقدم هذا النوع من الدعم المتكامل للفلسطينيين، فإن إنهاء دورها سيخلق فراغاً هائلاً في الخدمات الإنسانية والاجتماعية والصحية والتعليمية في فلسطين، خاصة في قطاع غزة، الذي يعتمد فيه حوالي 80% من السكان على المساعدات الدولية.

تداعيات الحظر على الفلسطينيين والمجتمع الدولي

تطبيق قرار حظر الأونروا سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في فلسطين، خاصة في قطاع غزة الذي يعاني من ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة. وستكون هناك نتائج كارثية من بينها منع وصول المساعدات الإغاثية الضرورية لبقاء الفلسطينيين على قيد الحياة. كما سيتحطم النظام التعليمي والصحي الذي تُعنى به الأونروا، مما يعني حرمان ملايين الفلسطينيين من الخدمات الأساسية، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر الاجتماعي وعدم الاستقرار في المنطقة، وتفاقم الأزمة الإنسانية إلى مستوى غير مسبوق.

بالإضافة إلى ذلك، يعتبر قرار الحظر تحدياً للمجتمع الدولي وللمنظومة الأممية. فالأونروا ليست مجرد منظمة عادية، بل هي تجسيد لمسؤولية المجتمع الدولي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تظل دون حل منذ عقود. وتصف بعض الدول هذا القرار بأنه خطوة عدائية تهدف إلى عرقلة جهود السلام وزيادة الضغوط على الفلسطينيين للتخلي عن حقوقهم، إذ يُرى أن إنهاء دور الأونروا جزء من محاولات تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وتجاوز كل الأعراف الدولية والإنسانية.

الخاتمة

يضع قرار حظر الأونروا مستقبل اللاجئين الفلسطينيين على المحك ويزيد من معاناتهم اليومية، وهو تذكير بمسؤولية المجتمع الدولي تجاههم وضرورة المحافظة على الدور الإنساني الذي تقوم به الوكالة. إن الأونروا ليست مجرد مقدم خدمات بل تمثل شريان الحياة لملايين الفلسطينيين، ويعني حظرها انهيار المنظومة الإنسانية الدولية في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية عموماً. ومن الضروري أن يعمل المجتمع الدولي بشكل جدي على الضغط لإلغاء هذا القرار أو إيجاد بدائل تضمن استمرار وصول المساعدات والخدمات الأساسية إلى الفلسطينيين، لضمان استمرارية الحياة الكريمة لهم ولحفظ السلام والاستقرار في المنطقة.

المصدر: قطر عاجل

شاهد أيضاً

مأزق إسرائيل في سوريا: بقاء الأسد بدعم إيراني أم تهديد متزايد من معارضة مسلحة؟

مأزق إسرائيل في سوريا: بقاء الأسد بدعم إيراني أم تهديد متزايد من معارضة مسلحة؟ التعليق على …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *