لقد علمنا عالم اليوم أن بقاءنا مرهون بتشتتنا جغرافيا وعدم تجمعنا في نقطة جغرافية محددة، وأن التفرق أفضل لنا من الوحدة وأن العيش كجماعات أنسب لنا من العيش في ظل دولة خاصة بنا.
هذا ما ذهب إليه الكاتب الإسرائيلي مايكل بريزون في مقال له بصحيفة هآرتس Haaretz الإسرائيلية قال في بدايته ” أنا يهودي منفي وفخور.. أنا مواطن عالمي وليس لدي أي ارتباط مع مسقط رأسي الجغرافي.. و”الأرض” بالنسبة لي هي مجرد قاذورات يزرع عليها الطعام ويدفن فيها الناس، وليست لها أدنى ذرة من القداسة ولا تستحق أن تسكب من أجلها نقطة دم واحدة”.
وقال هذا الكاتب الذي يوقع باسم “بي مايكل” إن الشعب اليهودي أولا وقبل كل شيء ناجح في أن يكون شعبا، وهو كذلك منذ ألفي عام، “لقد كنا شعبا بلا قوة، بلا أرض، بدون جيش، بدون معبد”، على حد قوله.
وعندما نتحول إلى “أمة”، يقول بي مايكل، “نكون فظيعين للغاية، وسرعان ما نصبح أغبياء وعنيفين وجشعين مثل معظم دول العالم الأخرى، وما هي إلا فترة وجيزة حتى نجلب لأنفسنا الدمار والشتات من جديد، وهناك فقط، في المنفى، نستعيد الإحساس الذي فقدناه ونستأنف حقيقتنا كشعب على قيد الحياة”.
ولا يبدو، وفقا للكاتب، أن التكتل في أغلبية يناسب اليهود، ولا حكم وإدارة جيش ودولة، “فنحن جيدون في أن نكون أقلية، بل حتى القليل من الاضطهاد يناسبنا، إنه يجعلنا نبرز أفضل ما فينا”.
والآن، مرة أخرى، يقول بي مايكل، ها نحن نلعب دور “الأمة”، “وهذا ظاهريًا هو ردنا الأبدي على الهولوكوست التي حلت بنا، لكن الواقع أن هذا استمرار للمحرقة، ليس، لا سمح الله، حرق أجسادنا، بل فقط سحق أرواحنا”، على حد تعبيره.
وأوضح بي مايكل أن الدولة التي اجتمع بها اليهود اليوم تعاني من متعصبين لا يقلون خطرا عن آخرين عرفوا بذلك في فترات معينة من تاريخ اليهود، مثل “متعصبي السيكاري” و”أتباع الحاخام أكيفا المتهورين” و”تلاميذ شمعون بار كوخبا الحمقى”، مشيرا إلى أن مثل هؤلاء لا ينبغي أن يطلق عليهم يهود، بل هم أشباه يهود أخذوا ما هو تافه وشرير من اليهودية وحولوه إلى جوهر.
وأردف الكاتب يقول “هكذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه، “أمة” صغيرة، متغطرسة، عنيفة وشريرة”.
وأضاف “لم يعد هناك مفر من هذا المستنقع، فـ75 عاما من العنصرية والعنف أفسدت الناخبين الإسرائيليين ولن يتم انتخاب أي حكومة عاقلة هنا بعد الآن، وبالتالي، ليس ثمة من خيار سوى الاعتراف بأن الصهيونية كانت خطأ ساذجًا والذهاب إلى المنفى مرة أخرى لاستعادة قوتنا وتجديد قيمنا”، على حد تعبيره.
وختم بي مايكل بالقول إنه الآن منفي بالفعل “أنا حاليًا منفي في الأرض التي ولدت فيها، وأنا مرة أخرى أقلية، ومرة أخرى ضعيف وعاجز.. تماما كما أريد أن تكون الأمور”.
المصدر: الجزيرة