دائمًا ما كانت سرقة ممتلكات الفلسطينيين جزءًا من العمليات الإسرائيلية، ورغم أنها لم تحظ بمستوى كبير من التغطية كجريمة حرب، إلا أن الجديد في الحرب على قطاع غزة هذه المرة هو توسع نطاق النهب وفخر الجنود به، وضعف الجيش أمامه، وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية.
ظاهرة النهب في قطاع غزة
صحيفة “هآرتس” ومجلة “+972” قامتا بتقرير عن سرقة ممتلكات الفلسطينيين وظاهرة النهب في قطاع غزة، مؤكدتين انتشارها وكثرة الشهادات عليها، وتوثيق عمليات النهب التي يفتخر بها الجنود وعجز الجيش عن السيطرة عليها، وعدم بذل ما يكفي لمنعها.
تقول هآرتس في تقريرها لياجيل ليفي إن الجنود ينهبون ممتلكات سكان قطاع غزة بعد احتلال منازلهم، وتنقل شهادة أحد الأطباء الاحتياطيين لصحيفة يديعوت أحرونوت قوله “نهبت قوات صغيرة وغير منظمة الهواتف والسيارات والدراجات النارية والدراجات الهوائية، هل هذا عادل؟ شعرت بالحرج”.
افتخار بالسرقة
انتشرت العديد من مقاطع الفيديو التي تظهر بوضوح سرقة ممتلكات الفلسطينيين، أظهر جندي مقاتل في لواء جفعاتي مرآة كبيرة منزوعة من منزل في خان يونس، كما نشر جنود مقاطع فيديو يعرضون بفخر مقتنياتهم المنهوبة، مثل جندي يعرض قمصان كرة القدم منزوعة من منزل في غزة، وجنود الاحتياط يفتخرون بوجبات الطعام المحضرة من المطابخ التي نهبوها من سكان غزة.
أشارت مجلة “+972” إلى تعرض المغني الفلسطيني حمادة نصر الله لصدمة عندما شاهد فيديو على تطبيق “تيك توك” يظهر جنديًا إسرائيليًا يعزف على القيثارة التي اشتراها والده له قبل 15 عامًا. وأشارت إلى مقاطع فيديو أخرى تظهر جنودًا إسرائيليين يتفاخرون بالعثور على ساعات يد وسرقة سجاد وبقالة ومجوهرات.
المسروقات أصبحت هدايا
في مجموعة على فيسبوك للنساء الإسرائيليات تضم حوالي 100 ألف مستخدم، طرحت إحداهن سؤالًا حول ما يجب فعله مع “الهدايا من غزة” التي أحضرها لها شريكها الجندي، ونشرت صورة لمستحضرات تجميل وسألت “هل نستخدم هذه المنتجات؟ وهل أحد يعرف عن هذه المنتجات أم أنها من غزة فقط؟”.
وأشارت مجلة “+972” إلى أنه منذ بداية الغزو البري الإسرائيلي في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان الجنود ينهبون منازل الفلسطينيين الذين اضطروا للفرار، ولم يتم الإبلاغ عن هذه الحوادث بشكل منتظم من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية. كما أن الحاخامات الصهاينة كانت تجيب على أسئلة الجنود حول ما يجوز نهبه وفقًا للشريعة اليهودية.
تحريم سرقة ممتلكات الفلسطينيين
وعلى الرغم من أن بعض الحاخامات فتوا بحرمة سرقة ممتلكات الفلسطينيين، فإن بعضهم أباح عدم الالتزام بقوانين الحرب تجاه الفلسطينيين الذين لا يلتزمون بها، حسب رأيهم.
أكد جنود عادوا من القتال في غزة أن هذه الظاهرة منتشرة في كل مكان، وأن قادتهم في الغالب يسمحون بها، معترفين بأنهم أخذوا “تذكارات” من بعض المراكز الطبية، وشهد جندي آخر، خدم في شمال ووسط غزة، أن الجنود “أخذوا السجاد والبطانيات وأدوات المطبخ”.
توزيع المسروقات
أوضح أحد الجنود أنه لم يكن هناك أي توجيه رسمي من القيادة العسكرية بشأن منع سرقة ممتلكات الفلسطينيين، سواء قبل دخولهم الميدان أو أثناء تواجدهم هناك. وأضاف أن الجميع كان يعلم بأن الناس يأخذون الأشياء، وكان هذا الأمر يعتبر مضحكًا بالنسبة للبعض، حيث كانوا يتمنون بالمزاح أن يُحاكموا في لاهاي بسبب ذلك.
ولفت الجندي إلى أن بعض ضباط الرتب العالية كانوا يشاركون في هذه الظاهرة أيضًا، حيث قام رقيب السرية بتوزيع المصاحف التي وجدها وأهداها لمن يرغب فيها، واقتنى جندي آخر مجموعة من فناجين القهوة.
صعوبة منع النهب
تناولت القناة 13 هذه الظاهرة في وقت سابق من هذا الشهر، لكن بدلاً من إدانتها، أشار المقدمون ببساطة إلى أن مقاطع الفيديو هذه تُنشر لفضح الجنود الإسرائيليين على مستوى العالم.
عدم اتخاذ إجراء منهجي
وأشارت هآرتس إلى أن الكم الهائل من الشهادات الشفهية حول هذه الظاهرة يعكس مشكلة واسعة النطاق، وأن الجيش يواجه صعوبة في منع النهب. وأوضحت أن هذه القضية تم طرحها في محادثات رئيس الأركان مع مختلف الوحدات، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء منهجي لمنع النهب. وأصدر كبير ضباط الانضباط رسالة للقوات تناولت هذه القضية، مؤكدة على أن هذه المشكلة تسبب إزعاجًا في الجيش.
حجج ومبررات
تمحورت حجج كبار ضباط الانضباط ومبررات سرقة ممتلكات الفلسطينيين حول الضرر الذي يلحقه النهب بثقة الجمهور في الجيش وتماسك الوحدة، ودوره في الدعاية المناهضة لإسرائيل، إلا أنهم – وفقًا للصحيفة – أغفلوا “الإشارة إلى الحظر الصريح للسرقة، خاصة مع ورود ذلك في سفر يشوع الذي يُعَد مصدر إلهام للجيش”.
بيان خجول ومتأخر
صدر بيان هذا الأسبوع إلى القادة المسؤولين عن الوحدات القتالية في غزة، حث فيه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي الجنود على “عدم الاستيلاء على ما ليس ملكهم”، ولكن هذه الرسالة تأتي بعد شهور من جعل عمليات النهب جزءًا من الروتين تمامًا.
سرقة أم انتقام
غالبًا ما لا يقوم الجنود بالنهب لتلبية احتياجاتهم الشخصية، كما تشير هآرتس، ولا يكونون بالضرورة مدفوعين بالجشع، بل يعتبرون النهب خلال القتال وسيلة للانتقام، حيث يرى الجنود أن الاستيلاء على ممتلكات أعدائهم يعبر عن النصر الكامل بعد هزيمتهم.
وترافقت سرقة ممتلكات الفلسطينيين غالبًا بتدمير الممتلكات، مما يعبر عن إنكار لإنسانية العدو، مما يبرر تفتيش ممتلكاتهم الشخصية واختيار ما يجب أخذه، وهذا يؤكد على قول “لا يوجد مدنيون أبرياء” في غزة، مما يبرر إيذاء المدنيين حتى بعد فرارهم، مما يمثل استمرارًا لهذه الحرب الانتقامية من خلال وسائل أخرى.