تسييس الحج مقابل الوحدة والمساواة بين المسلمين
تسييس الحج مقابل الوحدة والمساواة بين المسلمين

تسييس الحج مقابل الوحدة والمساواة بين المسلمين

“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”، دعاء معروف باسم دعاء التلبية نسمعه كل سنة خلال أيام الحج أي في الشهر الأخير من التقويم القمري ذي الحجة. الحج الذي يعتبر أهم عبادة إسلامية منذ زمن الرسول الكريم حيث تؤدى شعائرها في بيت الله بمكة المكرمة وبعض الأمكنة المحيطة بها من قبل كافة المسلمين دون النظر إلى اختلاف الألوان والألسنة والمواطن، ولكن خلال السنوات الماضية ذاعت عبارة تسييس الحج من قبل السعودية والتي تهدم مبدأ المساواة والوحدة.

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنببياء: “قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون”، وهنا لابد من الإشارة إلى أن التوحيد هو مبدأ الإسلام وجوهره الساطع الذي يدخل قلب المؤمن ونفسه ووجدانه، كما أنه أساس وحدة الجماعة الإسلامية وتماسكها.

ولأن الحج جامع لكل العبادات الأخرى بما يحتويه من جوانب عبادية فهو تلبية من أول لحظاته استجابة لله وحده، وكونه توحيد خالص يربي على الوحدة والمساواة فهو بذلك أهم عبادة إسلامية.

ومن أهم الجوانب التي تظهر خلال الحج هي الوحدة والمساواة بحيث يتخلى جميع الحجاج عن ملابسهم امحلية ويرتدون لباسا واحدا “لباس الإحرام المشترك” الذي يتكون من رداءين أبيضين فيزول هنا الفرق بينهم، فالكل عباد الله ولا وضع لهم سوى وضع العبودية لله وبذلك ترى ألوفا مؤلفة من البشر في وضع واحد ولباس واحد.

ولو صعدنا إلى أعلى الجبل ونظرنا إلى حجاج بيت الله الحرام من الأعلى وهم مجتمعون في ميدان عرفات الكبير بملابس الإحرام، فسنرى أنهم متحدون على اختلاف ألوانهم وبلدانهم ولغاتهم ومراتبهم، وبذلك نجد أن الشعوب والقوميات تنصهر في قومية واحدة جامعة ألا وهي الإسلام.

وعندما تسأل الشخص العائد من الحج عن إحساسه فيقول أنه رأى أشخاصا من جنسيات متعددة وألوان ولغات مختلفة مدركاً أن الإسلام حرص على بث روح المساواة بين الناس مهما كانت الفروق الجغرافية والقومية والاجتماعية بينهم، إذ ينبغي عليهم جميعهم أن يسلكوا طريق واحدا، ومهما بلغ اختلافهم إلا أن ربهم واحد ونبيهم واحد.

وهنا يعلمنا الحج أنه ينبغي علينا الاتحاد، فالطواف توحيد وكذلك السعي والوقوف يوم عرفة والمبيت عند المشعر الحرام ورمي الجمار توحيد.

وهو ما أكد عليه الإسلام حيث جعل مقياس التفاضل بين الناس التقوى، إذ يقول الله سبحانه في كتابه الكريم في سورة الحجرات: “إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير”، كما يقول رسوله الكريم “ليس لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود فضل إلا بالتقوى”، وخير دليل على تلك المساواة التآخي بين عمر بن الخطاب وبلال الحبشي، ووضع أمراء وقادة مثل سلمان الفارسي وزيد بن حارثة وصهيب الرومي، من الموالي.

تسييس الحج

وبعد التذكير بأهمية الحج ومايركز عليه من مساواة ووحدة بين المسلمين وأنه أهم عبادة يجب علينا التطرق إلى الموضوع المثار في الأيام القليلة الماضية وهو تسييس الحج من قبل السعودية.

في السادس عشر من يونيو الجاري، أطلقت مؤسسات حقوقية وسياسية وعلماء ودعاة والعديد من الشخصيات البارزة، حملة لمواجهة “تسييس الحج” من قبل السلطات السعودية، وذلك بعد عودة حجاج الخارج عقب عامين من الانقطاع بسبب جائحة كورونا.

وأصدر المشاركون بيانا حمل عنوان “الحج ليس آمنا“، قالوا فيه: “وجـود المشاعر المقدسة ضمـن جغرافيـة الحكومة السعودية يوجـب عليهـا القيـام بحقوق الحجيج لا باعتبارهـا أفضـل دولـة أو أرشـد حـكـم بـل بحـكـم موقـع مكة المكرمـة والمدينة المنورة في نطاقهـا الجغـرافي، وهـذا أمـر مـلـزم لهـا”.

وطالبوا السعودية “بإعداد وتنظيم وتسهيل إجراءات الحج والعمرة، والاضطلاع بمسؤوليتها الكاملـة حيـال ذلك أمام العالم بأكمله، مـن غـيـر مـن ولا أذى، وهو أمـر التـزم بـه كل مـن قـدر أن يكون حاكما لبلاد تضم هذه المشاعر، حتى في الجاهلية قبل الإسلام”.

كما اتهم البيان الحكومة السعودية، بـ”تعمد تسييس الحرمين وبشكل واضح ومتكرر، وجعـل الحـج والعمـرة أداة للقمـع ووسيلة لتصفية الخصوم، وطريقـا لـدعـم أنظمـة قمعيـة، فقـد اعتقلت قوات الأمن السعودي عـددا مـن حـجـاج بعض الدول الذين يعيشون في المنفى مثل مصر وليبيا واليمن وسوريا، وحجاج الأقلية المسلمة الصينية كالإيغور، وقـد عمـدت الحكومـة السـعودية بعـد أن منحـت تأشيرات نظاميـة تقتضـي الحمايـة والرعايـة إلـى اعتقال أعـداد مـن الحجاج والـزوار وتسليمهم لدولهـم وأنظمتهم المشهورة بقمعها وانتهاكها للحقوق”.

وشددت على أن “السعودية ما فتئت تستخدم منبـر الحرمين الشريفين كأداة لتلميع سياسات نظام محمد بن سلمان، ولوحة دعائية له”.

وأكد الموقعون على رفض وإدانة “استخدام الحج والعمرة، أداة سياسية، أو وسيلة للبطش واستدراج الآمنين واعتقالهم من الحرم، الـذي مـن دخـلـه كان آمنـا أو مصيـدة لتسليم ضيوف الرحمن قربانـا للأنظمة القمعيـة، كمـا هـو الحاصـل الآن في تسليم مسـلمي تركستان الشرقية للنظام الدموي في الصيـن”.

وناشد البيان “كافة المنظمات الإسلامية، والجمعيات والمجامع العلمائية، والمنظمات الحقوقية، إلى القيام بواجبهم في دفع الضرر عن بيت الله الحرام ومسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، وإدراج حقوق الحجاج والمعتمرين ضمن قوائم الحقوق والمعايير”.

وتفاعل الكثير من النشطاء مع هذه الحملة وربط أكثرهم بين قضية المسلمين الإيغور والإسرائيلي الذي دنس المسجد النبوي الشريف عام 2017، متسائلين عن سبب اعتقال المسلمون الإيغور وغيرهم ممن قدموا للحج بينما تعطى الحرية للإسرائيلي.

كما سبق أن قالت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين، والتي مقرها العاصمة الإندونيسية جاكرتا، في بيان نشرته في يوليو عام 2018 على موقعها الرسمي، إن السعودية “تستغل مكرمات الحج والعمرة في تعزيز مواقفها، بحيث تمنحها لمن يدعمها وتحظرها عن معارضيها”، وكان ذلك عقب التضييق على الحجاج الإيرانيين والقطريين على خلفية التوتر الحاصل آنذاك بينهم وبين السعودية.

وأخيرا يجب أن ندرك أن الإسلام أكد على وحدة الأمة الإسلامية لتحقيق التعاون والتكامل والتكافل التي هي من الضرورات الحيوية لأمن الأمة وسلامتها في حاضرها ومستقبلها، ولا يمكن أن يتحقق ذلك باستخدام الحج كأداة لتحقيق مكاسب سياسية وإنما على العكس أي التركيز على الحج لتوحيد الأمة الإسلامية وتحقيق أهدافها عن طريق وحدتها وتماسكها.

المصدر: قطر عاجل

شاهد أيضاً

“قمع الدولة ساهم في تحوّل مظاهرة صغيرة إلى حركة احتجاجية انتشرت في جميع أنحاء البلاد” – الغارديان

“قمع الدولة ساهم في تحوّل مظاهرة صغيرة إلى حركة احتجاجية انتشرت في جميع أنحاء البلاد” …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *