صدام حسين في ذكرى اعتقاله، صور مفبركة وجدل متجدد
ألقت القوات الأمريكية القبض على الرئيس العراقي السابق صدام حسين في الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول 2003 في مزرعة قرب بلدة الدور القريبة من مسقط رأسه تكريت.
وكان صدام حسين مختبئاً في حفرة صغيرة عندما ألقي القبض عليه بعد مطاردته من قبل القوات الأمريكية مدة تسعة أشهر، وبعد ثلاث سنوات تم إعدامه بعد صدور الحكم عليه من قبل محكمة عراقية.
وبعد أكثر من عشرين عاماً، عاد اسم صدام إلى الواجهة بعد “صور مفبركة” ادعت أنها للرئيس العراقي السابق عُثر عليه في سجن صيدنايا السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، ليتضح بعدها أنها صورة معدلة، تعود إلى اعتقال الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
ومع مرور كل هذه المدة على مقتل صدام، لا يزال يثير مواقف متضاربة داخل العراق وخارجه.
فهو بالنسبة لمحبيه “قائد عربي شجاع تصدى لمساعي إيران لتصدير الثورة” إلى العراق ولم يتردد في ضرب إسرائيل أما بالنسبة لمعارضيه فهو ليس سوى “طاغية مستبد أسس حكما عائليا قمعيا وقتل عشرات الآلاف من الشيعة والأكراد مستخدما الأسلحة التقليدية وأدخل بلاده في حروب عبثية”.
وخلال أكثر من ثلاثين عاما في سدة الحكم، بينها عشرون عاما كرئيس، اعتمد صدام حسين العراق نهجا قاسيا في الحكم، مما وضع العراق بأسره في مهب الريح.
فقد دخلت بلاده في حرب مدمرة مع جارتها إيران عام 1980 بعد سنة واحدة من توليه رئاسة الدولة. وبعد عقد من الزمن غزا دولة الكويت ونشبت إثر ذلك حرب الخليج الثانية.
ورغم معاناة العراقيين من عواقب الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة، فإن قبضة صدام على الحكم لم تضعف حتى غزو العراق عام 2003.
طفولة قاسية
ولد صدام في قرية العوجة التابعة لمدينة تكريت عام 1937. وكانت طفولته قاسية وعنيفة وهو ما ترك أثرا واضحاً على شخصيته.
وأمضى صباه في كنف خاله خير الله طلفاح في بغداد. وتزوج صدام ابنة خاله الذي عينه صدام في ما بعد محافظا لبغداد عام 1979. كما عين صدام ابن خاله عدنان خير الله طلفاح في منصب وزير الدفاع عندما تولى رئاسة العراق عام 1979.
وانضم صدام لتنظيم حزب البعث في العراق عام 1956، وكانت تلك الخطوة الأولى في طريق الوصول إلى مقاليد الحكم. ودشن نشاطه السياسي عام 1959 بالمشاركة في محاولة اغتيال الزعيم العراقي آنذاك عبدالكريم قاسم. وهرب إثر ذلك إلى سوريا فمصر حتى عام 1963 حين عاد بعد انقلاب 8 فبراير/ شباط الذي أطاح بحكم عبد الكريم قاسم.
وما لبثت أن نشبت خلافات بين حزب البعث والرئيس العراقي عبد السلام عارف الذي زج بعدد كبير من أعضاء الحزب في السجون.
لكن الحزب عاد إلى السلطة في انقلاب آخر في 17 يوليو/ تموز 1968 بمساعدة مسؤولين متنفذين في حكم الرئيس عبد الرحمن عارف تم إبعادهم بعد أقل من أسبوعين من الوصول إلى السلطة.
وركز صدام حسين بعد انقلاب 1968 جهوده على كيفية الارتقاء في سلم الحكم والوصول إلى قمة هرم السلطة. واستطاع تحقيق ذلك عبر اللجوء إلى كل الوسائل للتخلص من خصومه ومنافسيه ومن كل من يشك بولائه داخل الحزب وخارجه.
ذريعة شن الحرب
يستحق الانتباه نهاية
وخلال فترة وجوده في الحكم نائبا للرئيس أحمد حسن البكر سعى إلى جمع خيوط الحكم في أيدي قلة من المقربين إليه والتحول إلى الرجل القوي في الحكم، حتى انتزاعه منصب الرئاسة من البكر الذي اضطر إلى الاستقالة وتوفي بعد ذلك بفترة قصيرة.
واتبع صدام سياسة الاعتماد على مراكز ودوائر استخباراتية متعددة تتابع تحركات الخصوم والمنافسين وتراقب بعضها. ووظف قدرات العراق الاقتصادية باعتباره أحد أهم البلدان المنتجة للنفط لترسيخ حكمه وتضخيم القوات العسكرية عددا وعدة بطريقة تعكس طموحات تجاوزت في ما بعد حدود العراق.
وفي سبتمبر/ أيلول عام 1980، دخل العراق في حرب طاحنة امتدت ثماني سنوات، وأسفرت عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين، وقصمت ظهر اقتصاد البلدين.
وتركت الحرب آثارها على حياة المواطنين العراقيين الذين أصبحوا في حالة من العوز والفاقة والمعاناة في بلد كان يعد من أغنى البلدان النامية.
ولم يكد العراق يسترد أنفاسه بعد تلك الحرب حتى أمر صدام بغزو الكويت في أغسطس/ آب 1990. ولم تقتصر نتائج الحرب الجديدة على هزيمة الجيش العراقي بل امتدت إلى فرض حصار اقتصادي دولي أنهك البلاد وأفقر الشعب.
هزات داخلية
وبالرغم من الانتفاضات التي شهدها العراق ضد حكم صدام حسين في الجنوب والشمال في أعقاب هزيمة الجيش العراقي في حرب الكويت، تمكن من الاحتفاظ بقبضته الشديدة على الحكم عبر قمع الأكراد في الشمال والشيعة في الجنوب.
واستخدم عمليات التهجير الواسعة للسكان في داخل العراق وإلى خارجه، ولجأ إلى عمليات تنكيل وقتل جماعي واستخدام الأسلحة الكيمياوية كما حصل في بلدة حلبجة الكردية، وإحداث تغييرات بيئية كبيرة لأغراض أمنية مثل عمليات تجفيف منطقة الأهوار في جنوب العراق.
إلا أن حكمه تعرض أيضا لهزات داخلية تمثلت بهرب اثنين من أعضاء الحلقة الضيقة المحيطة فيه، وهما صهراه حسين كامل المسؤول عن التصنيع العسكري وأخوه صدام كامل الذي كان ضمن طاقم حماية صدام.
لكنهما حين قررا العودة إلى العراق بضمانات من صدام نفسه وقتلا على الفور في بغداد. وتعرض صدام نفسه لمحاولات لاغتياله أو الإطاحة به. كما جرت محاولة لاغتيال ابنه عدي عام 1996 أدت إلى إصابته بإعاقة دائمة.
وبرغم التعنت الذي أبداه صدام في التعامل مع قرارات الأمم المتحدة ولجان التفتيش اضطر للالتزام باتفاق النفط مقابل الغذاء الذي سمح ببيع العراق بعضا من نفطه لشراء أغذية وأدوية.
وبسبب الخلافات حول التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل بين العراق ومفتشي الأمم المتحدة، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا في ديسمبر/ كانون الأول عام 1998 هجوما صاروخيا على العراق.
وفرضت الدول الغربية حظرا على الطيران العراقي في الشمال والجنوب وبقي الحظر ساريا حتى دخول قوات التحالف في أبريل/ نيسان الماضي 2003 إلى الأراضي العراقية والإطاحة بحكم صدام.
وكانت هجمات سبتمبر/ أيلول عام 2001 دفعت العراق إلى الواجهة ووضعته في مقدمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية. وبدأ المسؤولون الأميركيون، لأول مرة، يدعون علانية إلى إسقاط النظام كهدف مركزي، بعد إزاحة نظام طالبان في أفغانستان، وركزوا على ذريعة رئيسية لشن الحرب وهي امتلاك العراق أسلحة دمار شامل.
ولدى وصول القوات الامريكية إلى بغداد انهار الجيش العراقي والحكومة وفر صدام ومعظم أركان نظامه، وأصدرت واشنطن قائمة تضم 55 مسؤولا سابقا يتصدرهم صدام حسين ونجلاه عدي وقصي اللذين قتلا في هجوم أمريكي على منزل في مدينة الموصل في يوليو/ تموز 2003. وقد ألقي القبض على معظم مسؤولي نظام صدام.
وأصدرت محكمة عراقية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2006 حكما بإعدام صدام بعد جلسات محاكمة علنية بث عدد منها مباشرة على الهواء. رفض صدام التهم الموجهة له ووصف المحكمة بأنها غير شرعية.
ونُفذ حكم إعدام صدام في 30 ديسمبر/كانون الأول 2006 ودُفن في مسقط رأسه في تكريت.
وتعرض قبره للتدمير جراء المعارك قرب مدينة تكريت في مارس/آذار 2015، حيث خاضت القوات العراقية وقوات “الحشد الشعبي” معارك عنيفة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وذكرت بعض الأنباء أن مقربين من صدام حسين نقلوا عام 2014 جثمان صدام إلى موقع سري.