قبل السابع من أكتوبر لم يكن سكان غزة يهتمون بالحطب بهذا القدر من الحاجة، لكنه اليوم أصبح عملة نادرة ووسيلة لإنقاذ حياة الكثيرين في دير البلح.

وأمام أكوام الحطب، يجتمع الناس بحثا عن مصدر للدفء والأمان، حيث يواجه السكان نقص الوقود والغذاء والماء، ليعكس ذلك الواقع الصعب الذي تعيشه آلاف الأسر العفيفة.

ففي ظل البرد القارس وآثار الصراع المستمر، ترسم الحرب هذه الملامح التي تجمع أنفاس الأمل للاستمرار في الحياة، والتغلب على اليأس المفروض نتيجة الحصار.

ويقول محمد أبو عمرة، وهو بائع حطب: “بما أنني امتلك الحطب في البيت وأمام الوضع الصعب الذي نعيشه وما يعانيه الناس من نقص في الغاز وندرة الحطب، قررت بيع الحطب بابخس الأثمان خاصة في ظل غياب مواطن الشغل ونقص في المال”.

يضيف وسام مطر، أحد السكان المحليين وهو يصف الوضع الذي يعيشونه: “أمام الأزمة التي تعيشها غزة والحصار المفروض عليها والنقص الفادح في البنزين و الغاز والغذاء كان من الضروري اللجوء إلى توفير وشراء الحطب للطهي وتحضير الطعام والخبز.. فأصبحنا لا نقوى على البقاء دون الحطب”.

وسط هذه الأوضاع الصعبة، يلجأ السكان إلى قطع الأشجار للحصول على الحطب، من أجل تدفئة منازلهم وصغارهم وطهي طعامهم، ليظهر الناجون بإصرارهم وصمودهم أمام تلك الظروف القاسية، في انتظار بصيص من الأمل في زمن الحرب والمعاناة.

وتقول الغزية أم طارق: “أقف لساعات طويلة للحصول على الخبز، لإطعام أطفالي، ويعيشون بثمانية أرغفة حتى اليوم التالي، حتى أعود مرة أخرى للحصول على الخبز، خاصة مع غياب ما يكفي المال لسد حاجاتنا”.

مع الحصار الإسرائيلي وحظر الوقود، تعيش أمهات وأطفال في ظلام دامس ونقص مستمر في أساسيات الحياة، ففي ظل الحرمان، يظهر الفلسطينيون إصرارهم على البقاء بالرغم من التحديات والمعاناة التي تسببت فيها الحرب،

وتصف إحدى النازحات الوضع قائلة: “هي مأساة بمعنى الكلمة خاصة مع غياب الماء والغاز، فنحن نحصل على الحطب من خلال جمعه في الشوارع أو من بعض الناس حتى نستطيع به الخبز والطبخ وإطعام العائلات”.

ويواجه سكان القطاع تحديات يومية خصوصا مع القصف الإسرائيلي الذي لا يبدو أنه سيتوقف، لكنهم رغم عِظَمِ التضحيات التي بذلوها مصرون على الصمود ومواجهة الصعاب.

 الحرب تجبر السكان على “الحياة البدائية”

بعد أكثر من 44 يوما من القصف المتواصل والعنيف لقطاع غزة، اضطرت مئات الآلاف من العائلات للنزوح جنوبا والتأقلم مع ظروف عيش جديدة. فمن طرق التواصل والمواصلات إلى الطبخ وشراء احتياجاتهم اليومية، لم يبقَ شيء على حاله وسط القصف.

فبعد أن غيرت الحرب مجرى الحياة في غزة بات المشي على الأقدام أو ركوب العربات التي تجرها الحصن هي الطريقة التي يعتمد عليها الفلسطينيون للتنقل لقضاء احتياجاتهم جنوبي قطاع غزة بعد شلل أصاب حركة المواصلات بسبب نفاد الوقود ومنع إسرائيل توريده إلى القطاع.

ومع نزوح مئات الآلاف من سكان مدينة غزة نحو المناطق الجنوبية تسبب بنفاد مخزون المواد الغذائية في أسواقها وغلاء أسعارها، بات مشهد الأرفف الفارغة في أكبر مراكزها التجارية أمرا واقعاً والتزود بالقليل مما شح وندر من السلع والبضائع حدثا يومياً.

اقرأ ايضاً
خاصلماذا أرسلت أميركا أكبر غواصاتها النووية للشرق الأوسط؟

 من جهة ثانية، لم تتخيل السيدة الفلسطينية مايسة دياب يوما أن تلجأ إلى الحطب لطهي طعامها وإعداد الخبز، فقد عاشت 40 عاما مع ويلات الصراع المتكررة داخل قطاع غزة المحاصر، إلا أنها كانت دوما في منزلها تعد وجبات أسرتها الأساسية دون عوائق.

لكن الحال اختلف برمته الآن، إذ نزحت مايسة مع آلاف آخرين من مناطق شمال غزة إلى جنوبها، لتسكن مدرسة للإيواء بمدينة خان يونس، وباتت مضطرة لطهي طعامها بطرق بدائية، الأمر الذي يكشف واقع الأزمة الإنسانية التي يعيشها القطاع من جراء شح الوقود وانقطاع الكهرباء.

ومنذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر الماضي، تمنع إسرائيل دخول أي شحنات وقود للقطاع، لكنها سمحت قبل يومين بإدخال عدة آلاف من اللترات لصالح وكالة “الأونروا”، وكذلك شركة الاتصالات الفلسطينية.

لكن احتياجات القطاع الإنسانية تفوق ما تسمح به السلطات الإسرائيلية، التي وافقت على دخول 140 ألف ليتر من الوقود فقط كل يومين إلى غزة بعد طلب من واشنطن.

وتقول مايسة لموقع “سكاي نيوز عربية”: “أصبحا الآن نصنع الخبز عبر موقد يتم إعداده من الطوب، أعلاه صفيحة حديدية رقيقة سرعان ما تمتد إليها النار، قبل أن يوضع عليها رغيف الخبز في صورته الأولى، وما هي إلا دقائق حتى يخرج خبزا جيدا”.

توضح السيدة الفلسطينية أن أغلب المخابز في غزة تضررت خلال الأيام الأخيرة على وجه التحديد، في ظل شح الديزل اللازم لتشغيلها، وبالتالي توقفت عن العمل في مناطق عديدة.

لكن رغم ذلك، لفتت إلى أن الحصول على الحطب اللازم لإشعال النار في الموقد البدائي ليس أمرا سهلا، حيث ينشغل بعض الرجال ظهر كل يوم بالبحث عنه، في ظل المخاوف من العمليات العسكرية المستمرة لليوم الـ44 على التوالي.

تحذير عالمي

وحذر برنامج الأغذية العالمي من أن أكثر من مليون شخص يعانون من الجوع في غزة مع نفاد إمدادات الغذاء والمياه، حيث دمرت الغارات الإسرائيلية والقصف المخابز في جميع أنحاء القطاع، في حين أن العديد من المخابز المتبقية غير قادرة على العمل بسبب نقص الوقود والدقيق.

وقالت الناطقة باسم برنامج الأغذية العالمي عبير عطيفة، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن كافة المخابز في قطاع غزة توقفت عن العمل لأنه لا يوجد أي وقود لتشغيلها.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أكد البرنامج إغلاق المخبز الأخير الذي يعمل بالشراكة معه بسبب نقص الوقود، مما تسبب في توقف إنتاج الخبز في 130 مخبزا داخل القطاع.

وأضافت عطيفة أن “أزمة المخابز مزدوجة، فجزء منها تم استهدافه جراء القصف الإسرائيلي، والمخابز التي نجت من القصف توقفت حيث لا توجد وفرة من الوقود لإمدادها بها، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يعود لإنتاج الخبز”.