استضافت العاصمة الإيرانية طهران، يوم الثلاثاء، القمة الثلاثية لرؤساء الدول الضامنة لمسار “أستانة” حول سوريا (روسيا وتركيا وإيران) للتركيز على الأزمة السورية والنقاش حول العملية العسكرية التركية المرتقبة في الشمال السوري، إلا أن هذا الاجتماع في هذا الوقت الحساس بظل العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا والعقوبات الغربية عليها وعدم التقدم في مفاوضات الاتفاق النووي واستمرار العقوبات على طهران وعدم وثوق تركيا الكامل بالغرب يحمل أبعاداً أبعد بكثير من التنسيق فقط بشأن سوريا.
اختتمت قمة طهران التي جمعت بين الرؤساء التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي، أعمالها مساء يوم الثلاثاء، وتضمن البيان الختامي للقمة المنشور عبر الموقع الرسمي للرئاسة الإيرانية 16 بندا، وفيما يلي أهمها وباختصار:
- التأكيد على الدور الريادي لمسار “أستانة” في التسوية السلمية والمستدامة للأزمة السورية.
- أكدوا التزامهم الراسخ بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها.
- أبدوا تصميمهم على مواصلة العمل معًا لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره.
- رفضوا جميع المحاولات الرامية إلى خلق حقائق جديدة على الأرض بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة.
- ناقشوا الأوضاع في الشمال السوري، وأكدوا أن الأمن والاستقرار في هذه المنطقة لا يمكن تحقيقهما إلا على أساس الحفاظ على سيادة البلاد ووحدة أراضيها، وقرروا تنسيق جهودهم لهذا الغرض، وأبدوا معارضتهم للاستيلاء والتحويل غير القانونيين لعائدات النفط التي ينبغي أن تعود لسوريا.
- أعربوا عن قلقهم البالغ إزاء الوضع الإنساني في سوريا، ورفضوا جميع العقوبات الأحادية الجانب التي تتعارض مع القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
- أكدوا من جديد اقتناعهم بأنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع السوري، وأنه لا يمكن حله إلا من خلال العملية السياسية التي يقودها ويملكها السوريون.
- أكدوا عزمهم على مواصلة العمليات المتعلقة بالإفراج المتبادل عن المحتجزين والمختطفين في إطار الفريق المعني ضمن صيغة “أستانة”.
- أكدوا ضرورة تسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًا إلى أماكن إقامتهم الأصلية في سوريا، وضمان حقهم في العودة والدعم.
- أدانوا استمرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، بما في ذلك الهجمات على البنى التحتية المدنية، واعتبروا أن هذه الهجمات تمثّل انتهاكا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وسيادة سوريا ووحدة أراضيها.
- إضافة إلى الملف السوري، أكدوا عزمهم على تعزيز التنسيق الثلاثي في مختلف المجالات من أجل تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي المشترك.
كان هذا بما يخص الأزمة السورية، ولكن من جانب أوسع أولى رؤساء الدول الثلاث لهذا الاجتماع اهتمام خاص بحكم الوقت الذي يأتي به في ظل العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا والعقوبات الغربية عليها وعدم التقدم في مفاوضات الاتفاق النووي واستمرار العقوبات على طهران وعدم وثوق تركيا الكامل بالغرب وميلها إلى علاقات قوية مع المعسكر الشرقي.
بات واضحاً لدى الجميع حجم التقارب بين روسيا وإيران في جميع جوانبه السياسية منها والعسكرية إلى جانب الاقتصادية، خاصة بعد العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا وعدائها للغرب، حيث شكل هذا التقارب الكبير قلقاً واسعا للمعسكر الغربي فكثافة التقارب العسكري بين البلدين تنمو بشكل متزايد يوماً بعد الآخر، ولكن مازاد من قلق الغرب هو أن هذا التحالف بين هذين البلدين يؤسس لجبهة مناهضة للغرب خاصة في ظل الصراعات الصينية والكورية الشمالية البارزة مع الغرب وتقربهم من روسيا وإيران.
ولاجتماع قمة طهران أهمية خاصة لسببين، أولهما حضور تركيا كونها عضواً رئيسياً في التحالف العسكري الغربي ومع ذلك رفضت الانضمام إلى العقوبات الدولية ضد موسكو، وكذلك تنسيقها الدائم مع إيران وروسيا بشأن القضايا الإقليمية وخاصة سوريا والتبادل التجاري والعسكري الكبير بينهم وهو ما يعكس رغبتها بالتحالف مع روسيا وإيران، وظهرت علائمه بهذا الاجتماع حيث اتفقت مع إيران على زيادة التبادل التجاري بنحو ثلاثة أضعاف وكذلك أحرزت تقدما مع روسيا بما يخص رفع الحظر عن صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
والسبب الثاني هو توقيت هذه القمة بحيث تأتي بعد أيام من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، التي شملت دولة الاحتلال الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية والسعودية، ومشاركته في “قمة جدة للأمن والتنمية” التي ضمت بالإضافة للدولة المضيفة، دول الخليج العربية ومصر والعراق والأردن.
وعلى الرغم من تقليل الغرب لأهمية قمة طهران واعتباره أنها جاءت في إطار التحرك الاضطراري وليس التحالفي، إلا أن قلقهم واضح وأفصحت عنه إسرائيل الصديقة المقربة لأمريكا باعتبار رئيس لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي رام بن براك، التقارب بين طهران وموسكو بمثابة رد على جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة إلى المنطقة، ورد على وقوف إسرائيل إلى جانب أوكرانيا في الحرب.
وأظهر هذا التحالف ضعف القوى الأوروبية أمام عمالقة الشرق والقلق الأمريكي المتزايد منه واتجهاه واشنطن إلى تشكيل تحالفات جديدة.
كما تصدرت هذه القمة عنواين الصحف الغربية التي قالت أن القمة شملت مداولات أمنية واقتصادية وموازنة بين الاهتمامات الوطنية والأجندات الجيوسياسية الأوسع لكل دولة، مشيرةً إلى أن الاجتماع شهد تنسيقا بين الدول الثلاث بشأن قضايا أمنية أخرى في المقام الأول ضد الكتلة الغربية وأنها على استعداد (الدول الثلاث) للتعاون ضد الغرب كلما كان ذلك ممكنا.
ويبدو أن هذا التحالف يشكل فعليا نواةً لحلف أوسع وقوي قادر على منافسة الغرب وإيجاد تصنيف جديد في مراكز القوى العالمية، خاصة مع وجود اللاثقة في المعسكر الغربي.