كشف تقرير حقوقي عن انتهاكات أمنية في شبه جزيرة سيناء المصرية بحق نساء على خلفية قرابتهن من متهمين بالانضمام إلى تنظيمات مسلحة، فيما وثقت مقاطع فيديو قيام قوات موالية للحكومة بإعدام من تزعم أنهم مسلحون، بمن فيهم أحد القصر، بعد إلقاء القبض عليهم.
ونشرت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان تقريراً مشتركاً، الجمعة، تحت عنوان “اعتقال بلا نهاية”، تناول انتهاكات حقوق المتّهمين والمتهمات في القضية 1935 لسنة 2021 أمن دولة، من بينهم نساء جريمتهن أنّهنّ قريبات أفراد متّهمين بالانضمام إلى تنظيمات مسلحة في سيناء.
ورصد التقرير تعرّض هؤلاء المتهمين والمتهمات عقب القبض عليهم لانتهاكات حقوقية جسيمة من قبل السلطات الأمنية والقضائية، وفي مقدّمتها الإخفاء القسري والتعذيب وتكرار قيام نيابة أمن الدولة بحبسهم في قضايا جديدة بالاتهامات نفسها التي سبق أن أُخلي سبيلهم منها.
واتّهمت النيابة هؤلاء بالانضمام إلى جماعة إرهابية وهي تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم “الدولة”، وتقديم دعم لوجيستي لهذه الجماعة مع العلم بأغراضها، وذلك بناءً على محضر تحريات قطاع الأمن الوطني.
وكانت القضية رقم 1935 لسنة 2021 قد عُرضت بداية أمام نيابة أمن الدولة في مايو/أيار 2021، وقد حُقّق في حينها وحتى كتابة هذا التقرير مع عشرات المتهمين والمتهمات وجرى حبسهم على ذمّة التحقيقات.
ويقدّر المحامون عدد المتهمين والمتهمات في القضية بـ125 شخصاً، تمكنت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان من توثيق حالات 21 متهماً منهم.
ويعود السبب الأصلي للقبض على عدد من المتهمين والمتهمات في القضية إلى كونهم “أقارب أفراد منتمين إلى تنظيمات مسلحة في سيناء”، على الرغم من عدم ارتكابهم أو ارتكابهنّ أعمال عنف أو إرهاب، بالمخالفة لمبدأ شخصية العقوبة الجنائية المستقرّ به في القوانين المصرية والدستور المصري.
وأفادت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان بأنّه “بدلاً من قيام السلطات المصرية بدورها في حماية المدنيين غير المتورّطين في ارتكاب جرائم، خصوصاً النساء كونهنّ ضحايا محتملات لانتهاكات جسيمة مارسها ضدهنّ أعضاء التنظيمات المسلحة المتطرفة، فقد قامت هي الأخرى بتعريض المتهمين والمتهمات في هذه القضية لعدد من الانتهاكات”.
ومن أبرز هذه الانتهاكات “تدوير المتهمين من قضايا سابقة ووضعهم على (ذمّة) قضايا جديدة، عقب إخلاء سبيلهم منها، أو حتى في أثناء حبسهم الاحتياطي على ذمّتها، وهي القضايا التي تعرّضوا فيها لانتهاكات على أيدي الأجهزة الأمنية عقب القبض عليهم”، بحسب التقرير.
وفي مقدّمة تلك الانتهاكات “يأتي الإكراه المادي والمعنوي لحمل المتهمين والمتهمات على الاعتراف بالانضمام إلى تلك الجماعة وتمويلها، فضلاً عن الإخفاء القسري لفترات مطوّلة في مقرّات تابعة لقطاع الأمن الوطني، وهو القطاع المسؤول عن إجراء التحريات التي تقوم نيابة أمن الدولة بالاستناد عليها بشكل أساسي لتوجيه الاتهامات، من دون تقديم أدلة مادية إضافية”، بحسب ما جاء في التقرير الحقوقي.
وأكد التقرير تحقيق النيابة مع المتهمين والمتهمات حول مضمون هذه التحريات والاتهامات الواردة فيها، وإصدار قرارات بحبسهم وتجديد حبسهم لمدد مطوّلة، حتى إن تكرر ظهورهم مرّة أخرى أمام النيابة في اتهامات مشابهة.
كما أورد التقرير أنه “لا تنفيذ فعلياً لقرارات إخلاء سبيل المتهمين والمتهمات في حال أُصدرت، إلا بعد موافقة السلطات الأمنية المتمثلة في قطاع الأمن الوطني، بما يفرّغ السلطة القضائية واستقلاليتها من مضمونهما”.
يأتي ذلك فيما نشر موقع “ميدل إيست آي” مقطع فيديو، يظهر فيه طفل، قالت مصادر قبلية إن اسمه “أنس”، ينتمي إل قبيلة “التياها” ويبلغ من العمر 16 عاماً، وهو في حالة إصابة ومستلق على بطنه، ويده اليمنى مبتورة.
ويمكن سماع أحد الرجال وهو يستجوب “أنس” حول تردد جهاز الإرسال الذي في قبضته، ثم يُشاهد فيما بعد وهو يتعرض لإطلاق نار بـ3 رصاصات في الرأس.
وذكر الموقع البريطاني أنه تم بث مقطع الفيديو في 20 أغسطس/آب الجاري، بينما كانت العملية قد جرت خلال الأسبوع الأول من أغسطس/آب الجاري، بحسب ما أكدته مصادر قبلية.
وفي مقطع آخر، تظهر عملية إعدام رجل في منتصف الثلاثينات من العمر، يرتدي جلبابا أبيض ويداه مقيدتان خلف ظهره.
وبدا الرجل في الفيديو مناشداً آسريه بعدم إطلاق النار عليه، حيث يُسمع وهو يقول: “أرجوكم الرحمة، يا الله الرحمة”، قبل أن تطلق عليه النيران 4 مرات.
ونُشر مقطعا الفيديو للمرة الأولى عبر قناة على تطبيق “تيلجرام”، تابعة لاتحاد قبائل سيناء، وهو فصيل شبه عسكري موال للحكومة.
ويشارك الاتحاد إلى جانب الجيش المصري في قتال مسلحي تنظيم “الدولة” في شمال شبه جزيرة سيناء، في حملة تُشن منذ 8 أعوام تمخضت عن استئصال الآلاف وتركت العديد من البلدان والقرى مدمرة تماماً.
وفي مقطع فيديو سابق، يبدو الرجل ذو الجلباب الأبيض، وهو يستسلم، هو وشخص آخر، بينما يسير نصف عار وحافي القدمين باتجاه مجموعة من عناصر المليشيا والجنود النظاميين.
ويظهر على الفيديو الذي بُث في الثالث عشر من يوليو/تموز الماضي، تعليق نصه: “الرسالة واضحة، وهي تقول للفئران في جحورها لن تنعموا بالسلام. فمع كل قطرة دم من دماء أبطالنا، سوف تطير رقاب”.
وفي فيديو رابع، يظهر رجل مسن، تقول مصادر قبلية إن اسمه “أبوطارق” ويشغل موقعاً وسيطاً في تنظيم “الدولة”، أثناء استجوابه من قبل مقاتلين في الميليشيات وفي الجيش النظامي.
وفي تدوينة لاحقة على قناة تيلجرام التابعة لاتحاد بئر العبد شبه العسكري، رفعت صور لنفس الرجل بعد قتله بالرصاص، وعليها العبارة التالية: “تمت التصفية”.
تم تأكيد صدقية مقاطع الفيديو من قبل 3 مصادر قبلية، حسبما أورد “ميدل إيست آي”، إلا أنها رفضت التصريح بمعلومات إضافية حول الرجال الذين تم التعرف عليهم، واكتفت بالقول إن أبناء قبيلة التياها يجري استخدامهم من قبل تنظيم “الدولة” كعناصر استطلاع.
وفي السياق، أفادت مصادر من قبيلة السواركة في سيناء بأن فيديو قتل “أنس” أثار سخطاً عارماً في أوساط قبائل المنطقة، ما دفع وفد قبلي رفيع المستوى من المخابرات الحربية إلى مرافقة بعض نواب البرلمان لزيارة عدد من القبائل “لتهدئة الخواطر والتأكيد لهم على الفوائد التي سيجنونها بعد إلحاق الهزيمة بمتمردي تنظيم الدولة”.
يأتي ذلك فيما قال مصدر عسكري مصري إنه يتم حالياً التحقيق في مقاطع الفيديو، ولكنه رفض تأكيد أو نفي محتواها.
وأشار المصدر إلى وجود “بعض الاستياء في أوساط كبار المسؤولين تجاه سلوك اتحاد قبائل سيناء، بما في ذلك استخدام التنظيمات شبه العسكرية التابعة له لوسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار نشاطاتها وعملياتها، متهماً إياها بانعدام الالتزام”.
وتحمل سكان شمال سيناء وطأة المعارك المستمرة منذ 8 سنين في المنطقة ما بين القوات المسلحة المصرية وتنظيم “ولاية سيناء”، الفرع المحلي لتنظيم “الدولة”.
وكان مسلحو التنظيم قد بدأوا بشن الهجمات في 2011، حينما كانوا ينتمون إلى تنظيم “القاعدة”، ثم فيما بعد بايعوا تنظيم “الدولة”.
ولا توجد إحصائيات رسمية بعدد الضحايا الذين سقطوا في الصراع، ولكن بحسب تقارير أعدها باحثون مستقلون يحافظون على سريتهم لضمان سلامتهم، قتل ما يزيد على 1500 من عناصر الجيش في الفترة من 2011 إلى 2018.
المصدر: متابعات قطرعاجل