هل تهدد قضايا التحكيم الدولي ثروات ليبيا؟

هل تهدد قضايا التحكيم الدولي ثروات ليبيا؟

سلّط تقرير ديوان المحاسبة الليبي الضوء على قضايا التحكيم الدولي، التي تحركها بعض الدول والشخصيات ضد ليبيا، وسط تخوفات بخصوص ما إذا كانت هذه النوعية من القضايا قد «تهدد ثروات البلاد».

وكان ديوان المحاسبة، ومقره طرابلس، قد تناول في تقريره لعام 2022، الصادر نهاية الشهر الماضي، بعض مظاهر الفساد في القطاع الحكومي، كاشفاً «تواطؤ البعض مع خصوم الدولة الليبية في القضايا والمنازعات بتحرير مراسلات، تعزز وضعهم ضد البلاد ومصالحها المنظورة بالتحكيم الدولي».

وقبل اندلاع «ثورة» 17 فبراير (شباط) 2011، أبرم نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عقوداً استثمارية مع شركات أجنبية، بلغت قيمتها نحو 160 مليار دولار، وفق مدير المركز الليبي الدولي للتحكيم سعد بن شرادة. وبعد انهيار النظام وتفكك ليبيا، لجأ كثير من تلك الشركات للتحكيم الدولي للحصول على تعويضات، بعد توقف أعمالها بسبب أحداث الثورة الليبية، وما تلاها من توترات سياسية وأمنية، مستفيدة من بنود في قانون الاستثمار الذي يجيز اللجوء إلى التحكيم الدولي.

ورأى بن شرادة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن قضايا التحكيم الخارجي «ملف متراكم منذ 12 عاماً، ويكبد الدولة الليبية مليارات الدولارات». وتحدث عن «مفارقة لا ينتبه إليها كثيرون، وهي أن تجميد الأرصدة الليبية في الخارج، بموجب القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي 1973، حفظ الأموال الليبية من التصرف فيها حتى الآن»، منبهاً إلى أن انتهاء العمل بهذا القرار الدولي «سيكون بداية تسرب أموال من الخزانة تحت بند التعويضات».

400287
المستشار أحمد مختار بازامة رئيس إدارة القضايا الدولة الليبية ينتصف الصورة (الموقع الرسمي للإدارة)

ومنذ مطلع العام الحالي، دأبت إدارة قضايا الدولة في ليبيا على نشر أخبار عن تعطيل دعاوى تحكيمية خارجية ضد شركات وجهات في تونس ومصر وفرنسا وسويسرا، لكن أحدث تقرير رقابي صادر عن ديوان المحاسبة (أعلى جهة رقابية في البلاد) في شهر أكتوبر (تشرين أول) الحالي لم يصدر إحصاءً رقمياً بأعداد القضايا التي خسرتها ليبيا العام الماضي.

وحسب آخر أرقام رسمية معلنة، فقد واجهت ليبيا تزايد أعداد قضايا التعويضات الخارجية في 2019 و2020، بواقع 55 قضية، فيما أشار ديوان المحاسبة إلى صدور 25 حكماً ضد ليبيا خلال الفترة نفسها، وعزا ارتفاع أعداد القضايا إلى التخبط المستمر للحكومات المتعاقبة، والقرارات الصادرة عنها، دون دراسة الآثار المترتبة عليها.

وفي حين تقول بعض الشركات الأجنبية إنها تكبدت «خسائر فادحة» بعد تعطل عقودها في ليبيا بعد عام 2011، فإن خبراء ليبيين، من بينهم أستاذ القانون في الاستثمارات الدولية صالح الزحاف، عدوا هذه القضايا بمثابة «بقرة حلوب» لبعض الشركات والجهات الأجنبية، الطامحة إلى الاستفادة من الانقسام الحاصل في البلاد، بهدف تعزيز أرصدتها الدولارية تحت بند التعويضات. وكمثال على ذلك، ألزمت محكمة باريس في عام 2019 المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا بتسديد ديون 3 شركات سويسرية، تفوق قيمتها الإجمالية مجتمعة 29 مليون يورو. كما ربحت شركة البناء التركية «جنكيز إنسات» حكماً قانونياً ضد دولة ليبيا، يقضي بدفع 50 مليون يورو مقابل عقود أنجزتها المجموعة قبل عام 2011. أما التعويض الأضخم الذي باتت الدولة الليبية مهددة بدفعه فهو لشركة الخرافي الكويتية، بقيمة تجاوزت الآن 1.150 مليار دولار بسبب الفوائد.

اقرأ ايضاً
انتخابات سوريا بين الداخل والخارج

وينظر محللون بعين القلق إلى ما أورده التقرير الصادر عن ديوان المحاسبة لعام 2022 بشأن «تواطؤ أطراف ليبية مع بعض الخصوم في القضايا والمنازعات». وقد سبق أن أشار الديوان في تقريره لعام 2015 بأصابع الاتهام إلى تعاقد جهاز تنفيذ مشروعات الإسكان والمرافق (حكومي) مع الشركة الليبية – البرازيلية، فعلى الرغم من مغادرتها البلاد في فبراير (شباط) بعد استنفادها لكامل قيمة العقد دون أي إنجاز، فإن هذه الشركة لجأت للتحكيم الدولي للمطالبة بـ129 مليون دينار ليبي.

وحسب ديوان المحاسبة، فقد خاطب جهاز مشروعات الإسكان والمرافق جهاز ديوان المحاسبة بضرورة الإفراج عن بعض الأرصدة لإتمام الصيغة التنفيذية على حكم التراضي مع الشركة، وهو ما رفضه الديوان لوجود شبهات فساد في العقد في كل مراحله، ابتداءً من تاريخ إبرامه في 2007.

لكن مدير المركز الدولي للتحكيم الليبي، سعد بن شرادة، استبعد «وجود شبهة فساد أو تواطؤ»، مشيراً إلى «عدم دراية وفهم لعملية التحكيم الدولي». وقال بهذا الخصوص: «لقد نظّم المركز الليبي ورش تثقيف لمؤسسات الدولة بين 2013 و2015، ولاحظنا هذا الضعف، وعدم القدرة على تقديم الدفوع أمام الهيئات التحكيمية، التي تختلف عن الهيئات القضائية، كما أن صياغة العقد التحكيمي غير العقود الاعتيادية».

ونوّه بن شرادة، الذي يشغل أيضاً منصب عضو مجلس الدولة، إلى «ضعف الجهات الليبية في اختيار المُحكم التابع لها في حالة النزاع مع شركة أخرى أمام غرفة باريس، أو غرفة لندن أو مركز القاهرة الإقليمي، والاختيار الضعيف للمحكم يؤثر على القضية».

أما الدكتور صالح الزحاف، فقد نبه في تصريحات نقلتها عنه قناة «الوسط» الليبية، إلى أن إدارة قضايا الدولة «غير مستعدة لهذا العدد من القضايا ونوعيته»، في ظل تنوع مواضيع الخبرة التحكيمية التي يقع عليها النزاع في تلك القضايا.

وفيما يرى خبراء ومحللون أن الانقسام الليبي بين معسكرين في غرب البلاد وشرقها أثّر على ملف التعويضات، أكد الزحاف أن ليبيا تحتاج إلى «مجلس منازعات يضم خبراء ليبيين في المجالات كافة ليتولى ملف التعويضات، الذي لا تستطيع إدارة قضايا الدولة مواجهة تحدياته بمفردها»، مشيراً إلى ضرورة «التحول إلى إبرام عقود استثمارية من قبل الدولة، بدلاً من (الإدارية) التي تفتح الباب أمام الفساد».

المصدر: الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

مطر في بلا قيود: حب الدكتاتوريين لبلادهم هو حب الرغبة في التملك

مطر في بلا قيود: حب الدكتاتوريين لبلادهم هو حب الرغبة في التملك التعليق على الصورة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *