«منتدى أصيلة» يناقش أعباء «الفراغ الاستراتيجي العربي»

«منتدى أصيلة» يناقش أعباء «الفراغ الاستراتيجي العربي»

تباينت آراء المشاركين في ندوة «العرب اليوم وأعباء الفراغ الاستراتيجي»، رابع ندوات منتدى أصيلة الـ44، بين من يقول بعدم وجود نظام إقليمي عربي في ظل وضع قاتم تعيش المنطقة العربية على وقعه، وبأن كلمة «الفراغ» لا تكفي لوصف هذا الوضع، وبين من يرى أن كلمة «الخواء» قاسية إلا أنها موفقة، وأن كل «خواء» لا يتم الاستسلام له، وإنما يتم البحث في طبيعته لإطلاق مبادرة استراتيجية لتجاوزه.

وقال محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة «منتدى أصيلة»، إن المنطقة العربية تعيش أوضاعا استثنائية خاصة، في ظرفية دقيقة تحتاج تفكيرا معمقا، واستشرافا ثاقبا لتشخيص الواقع واستكناه المستقبل.

وشدد بن عيسى على أن الخريطة العالمية تغيرت نوعيا في الآونة الأخيرة، كما أن الموازين الجيوسياسية تبدلت، وقواعد النظام الدولي لم تعد كما كانت. ومن هنا، يضيف بن عيسى، لا بد من مراعاة هذه المستجدات في أي تفكير معمق وجاد. مشيرا إلى أن الندوة تنطلق من ملاحظة دقيقة صاغها الأمير الراحل سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي الأسبق، عندما تحدث عما تعيشه أغلب دول العالم العربي من «خواء استراتيجي»، ناتج عن عوامل دولية وإقليمية معروفة للجميع.

379832
ابتسام الكتبي تتحدث في الندوة وإلى جانبها الوزير المغربي الأسبق عبد الكريم بن عتيق (تصوير: رضا التدلاوي)

من جهتها، قالت ابتسام الكتبي، رئيسة «مركز أبوظبي للسياسات»، التي ترأست الندوة، في كلمتها التقديمية: «إذا أردنا إجراء تقييم عام للعمل العربي المشترك ودور المؤسسات العربية، ومدى تأثير الصوت العربي في مجريات السياسة العالمية، فإنه يبقى من السهل اكتشاف أن الأمور ليست في أحسن الأحوال». ورأت أن هناك عدة متطلبات لاستعادة الفعالية، دون إغفال العوامل الخارجية والتدخلات القوى الإقليمية والدولية.

وأضافت الكعبي موضحة أن انسداد آفاق المشاركة السياسية، إلى جانب تنامي منظومة الفساد، وضعف الحوكمة وفشل خطط التنمية، كلها عناصر تقدم أرضية خصبة لأشكال مختلفة من موجات الاحتجاج، والغضب والمظاهرات المتكررة. فضلا عن فرص محتملة لظهور تيارات راديكالية تستخدم العنف لإيصال صوتها. وتساءلت الكتبي: «ما العمل؟ وما هي الدروس التي ينبغي أن نستفيد منها بعد تجربة الربيع العربي؟».

379831
جانب من الجمهور الحاضر في الندوة (تصوير: رضا التدلاوي)

كما رأت الكعبي أن ضعف الخيار الوطني في العالم العربي لم يمكن حتى الآن من إنتاج مشروع فكري وثقافي واقعي ومتكامل، يفهم لغة المستقبل والمعرفة المتسارعة والثورة التكنولوجية… مشروع تلتفت حوله المؤسسات والشعوب لسحب البساط من أصحاب الشعارات الدينية والقومية. وخلصت إلى أن من المهم لأي إصلاح مستدام «أن يكون أفقيا وليس عموديا».

من جانبه، ركز عبد الكريم بن عتيق، الوزير المنتدب السابق لدى وزير الخارجية المكلف المغاربة المقيمين بالخارج، على عوامل التراجع وآفاق الإصلاح، مقدما في البداية معطيات رقمية حول العالم العربي، رآها مدخلا أساسيا للخوض في الموضوع.

وركز بن عتيق في معطياته الرقمية على العالم العربي، لكونه فضاء جغرافيا مهما، وشدد على أن من شأن هذا الأخير أن يكون له ثقل في معادلة التنمية. كما تحدث عن منظمة الجامعة العربية، التي قال إنها تبقى من أقدم المنظمات الإقليمية في العالم. كما تحدث عن الرأسمال البشري.

وعبر بن عتيق عن أسفه لأن العالم العربي يعيش نوعا من الانكماش على المستوى الاقتصادي، كما أن نسبة الأمية فيه هي من أكبر النسب في العالم، فيما التبادل التجاري بين دوله ضعيف، والمنطقة تعيش أزمات غذائية، مشددا على أنه «من لا يتوفر على رؤية لتحقيق أمن غذائي لا يمكن أن يؤمن بأن هناك مستقبلا».

379846
عبد الرحمن شلقم وزير خارجية ليبيا الأسبق متحدثاً في المنتدى (تصوير: رضا التدلاوي)

من جهته، قال عبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا الأسبق، إنه يبقى من المهم تحديد المفاهيم، ورأى أنه «ليس بيننا تبادل ولا نثق في بعضنا، بل نتآمر على بعضنا». وأضاف متسائلاً «لماذا صار الانهيار في الدول التي صار فيها انقلاب، ولماذا الدول ذات النظام الملكي والأميري، ومنها دول فقيرة، متقدمة ومتطورة علميا وثقافيا، وأحسن من الدول التي بجوارها، مع أنها غنية جدا»، مجيبا: «لأنه كما يقال كيفما تكونوا يولى عليكم».

وأضاف شلقم «علينا أن ننسى الوحدة والاندماج، ونركز على حُسن الجوار». وتساءل «ما العمل؟»، ليجيب على هذا التساؤل بأن العمل يمر عبر الدولة الوطنية، وحُسن الجوار والتعاون والعلم، الذي يتعين تكييفه حسب الاقتصادات العربية.

اقرأ ايضاً
أخبار إسرائيل أخبار إسرائيل "حزب الله" يستهدف دبابة إسرائيلية بصاروخ موجه

من جهتها، تناولت سميرة إبراهيم بن رجب، المبعوث الخاص للديوان الملكي في البحرين، الموضوع من محوري العرب والنظام الإقليمي العربي، وعوامل التراجع وآفاق الإصلاح. ورأت أنه لا يمكن الحديث اليوم عن عوامل تراجع للنظام الإقليمي العربي من دون الرجوع إلى فهم، وتحليل أبعاد التطورات الجيوسياسية التي عرفتها المنطقة العربية مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، والقراءة الدقيقة لمسألة الخروج تدريجياً من نظام القطبية إلى النظام العالمي الجديد، الذي تميز بفرض الأحادية القطبية، ونشر العولمة الاقتصادية والثقافية بأشكالها المختلفة، بقيادة غربية – أميركية متغطرسة، في غياب دور عربي ضمن هذه المعادلة الجديدة.

كما تحدثت بن رجب عن الإرهاب، الذي بدأ معه عصر الغموض والدمار، وبالتالي عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي في عدد من الدول العربية، مع تحول أخرى إلى دول فاشلة، مع انتشار الجماعات الإرهابية المسلحة، مشيرة إلى أن تراجع التنمية في أغلب الدول العربية دفع عدداً من مواطنيها نحو أوطان جديدة، بحثا عن حياة كريمة.

379833
محمد أوجار وزير العدل المغربي الأسبق يتحدث في الندوة وإلى جانبه سميرة بن رجب مبعوثة الديوان الملكي البحريني (تصوير: رضا التدلاوي)

من جهته، قال محمد أوجار، وزير العدل المغربي الأسبق، إنه لا يوجد نظام عربي إقليمي، كما أنه لا يؤمن به. وتساءل: «كيف أقبل على نفسي أن أقر بوجود هذا النظام وجاري المباشر الذي هو الجزائر، يعبئ كل طاقته لتدمير بلادي؟ كيف يمكن لليبي أن يشعر بالانتماء إلى نظام إقليمي ومواطنو بلده يستشعرون أن كثيرا من المسؤولية على الكوارث التي يعيشها يتبناها، ويمولها أشقاء عرب؟».

وأضاف أوجار موضحاً «إننا ونحن نعيش هذا السياق الاستراتيجي الخطير، لا بد ونحن نتحدث إلى جيل عربي جديد أن نتساءل: هل تكفي اللغة العربية والامتداد الجغرافي والانتماء للدين نفسه لصناعة نظام عربي إقليمي؟ ليجيب على هذا التساؤل بأن تجاربنا على امتداد الستة عقود الأخيرة توصلنا إلى الإقرار الأليم بأن هذه الاعتبارات لا تكفي».

وخلص أوجار إلى القول: «نعيش اليوم مجتمعا جديدا تحكمه وسائل التواصل الاجتماعي، والثورة الرقمية، فيما لا يمكن بناء نظام إقليمي بعضوية دول وطنية لا تحترم الحريات والدساتير، كما لا يتم التداول على السلطة عبر صناديق الاقتراع، ولا يتم إشراك المرأة، أو تدبير الاختلاف بوسائل ديمقراطية وبوسائل القانون»، مضيفاً «نحن نتباكى على جامعة عربية كل تراثها بيانات»، معبراً عن أمله في أن تنخرط النخب العربية في مشروع جديد.

أما أحمد المسلماني، الكاتب الصحافي والمستشار السابق للرئيس المصري السابق عدلي منصور، فقال إن مصطلح «الخواء» رغم قسوته «موفق»، لكنه شدّد على عدم الاستسلام له بالبحث في طبيعته لإطلاق مبادرة استراتيجية لتجاوزه، مضيفاً أن دول العالم العربي يمكن تقسيمها إلى (6 + 6 + 10): 6 دول فاشلة، منها اليمن ولبنان وسوريا والصومال وليبيا، و6 دول لديها استقرار وازدهار تشمل دول الخليج، و10 دول أخرى تمثل الطبقة الوسطى العربية، التي ليست في وضعية الازدهار الخليجي، ولا في وضع الدول الفاشلة.

ورأى المسلماني أن الحوار يجب أن يكون بين دول الخليج ودول المنطقة الوسطى، قبل البدء في انتشال الدول الفاشلة واحدة تلو الأخرى. كما تحدث المسلماني عن عروبة ليبرالية مدنية واقتصادية وحضارية، تلفظ ما سبق من آيديولوجيا وتنفتح على أفق العالم الجديد. وتساءل: «كيف نقرأ العالم الآن؟»، قبل أن يستعرض جملة عناصر، تشمل «اللايقين»، الذي أصبح شكلا للعالم الجديد، وإن كان القرن الجديد سيكون صينيا أم أميركيا، مشيرا إلى أن ذلك سيحدد صيغته.

كما تحدث المسلماني عن «اللامبالاة في النظام الدولي»، ولخصها في عبارة «نعتذر، لقد أخطأنا»، التي اعتاد مسؤولو الدول الكبرى التفوه بها بعد كل خطأ ارتكبوه وأسفر عن ضحايا. كما أشار إلى نهاية «الهوية الواحدة»، وضرب مثلا لذلك بمكونات «البريكس»، التي تجمع بين مصر وإثيوبيا، كما تجمع بين الإمارات والسعودية وإيران، فضلا عن الهند والصين، وهو ما يعني، حسب قوله، أن «إدارة الاختلاف» أضحت أساسية من معالم العصر الجديد.

المصدر: الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

بدء وصول المساعدات عبر الرصيف العائم وحماس تشكك في نوايا واشنطن وتؤكد الاستعداد لمعركة استنزاف طويلة

بدء وصول المساعدات عبر الرصيف العائم وحماس تشكك في نوايا واشنطن وتؤكد الاستعداد لمعركة استنزاف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *