وكان زعماء الاتحاد الأوروبي قد اتفقوا، مساء الاثنين، على خطة تقضي بحظر ما يزيد على ثلثي واردات النفط الروسي، بالإضافة إلى منع “سبير بنك”، أكبر بنك روسي، من الوصول إلى نظام “سويفت” الدولي للمعاملات المالية، وحظر 3 محطات إذاعية روسية أخرى مملوكة للدولة.

وتشكل إمدادات النفط الروسي 26 بالمائة من احتياجات الاتحاد الأوروبي، في حين يشكل الغاز القادم من موسكو 40 بالمائة من واردات التكتل، ويدفع الاتحاد الأوروبي قرابة 400 مليار يورو سنويا لروسيا مقابل ذلك.

وتأتي العقوبات الجديدة بعد أسابيع من الجدل، وخلافات مع المجر، التي تبدي معارضة كبيرة لقرار الحظر المفروض على ورادات النفط الروسي، مما دفع إلى تقديم “حل وسط”، يقضي بإعفاء مؤقت للنفط الذي يأتي عبر خطوط الأنابيب إلى الاتحاد الأوروبي، حسبما ذكر رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل.

ومع ذلك، تتصاعد التخوفات من تداعيات العقوبات على الداخل الأوروبي، مع وصول نسب التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، والأضرار التي ستتجاوز المنافع بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وفق خبراء ومراقبين.

معاناة متوقعة

على عكس التوجه الأوروبي الراهن، دعا الكاتب البريطاني، سيمون جنكينز، إلى “التخلي عن سياسة فرض عقوبات على روسيا، لأن أضرارها أكثر من منافعها”.

وقال جنكينز، في مقال نشرته صحيفة “غارديان” البريطانية، إن “6 ملايين أسرة في بريطانيا تواجه احتمال انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء، بسبب استمرار سياسة فرض العقوبات على روسيا، على الرغم من ضخ أوروبا نحو مليار دولار يوميا إلى روسيا لدفع ثمن الغاز والنفط التي تواصل استهلاكها”.

واعتبر أن “الاتحاد الأوروبي لا يدري ماذا يفعل تجاه هذه المشكلة”، لافتا إلى أنه “لم يتم الاتفاق على أية خطة عملية لحظر الطاقة الروسية، مع التوصل لتسوية دبلوماسية، باستثناء العقوبات المفروضة على الواردات عبر خط الأنابيب”.

وتابع: “لكن السبب الحقيقي هو أن الجدل حول سلاح العقوبات قد تحول إلى خطاب رجولي، مع الزعم بأن تلك العقوبات ما هي إلا وسيلة ردع على المدى المتوسط إلى الطويل، لكن مع تحول الحرب في أوكرانيا إلى مسار مختلف، قد يكون هذا المدى طويلا بالفعل”.

ولفت إلى أن “دول وسط وغرب أوروبا التي قامت بتطبيق هذه العقوبات تعاني في نفس الوقت بسببها، ومن العبث أن نتوقع من المجر أن تعاني من أزمة كبيرة في الطاقة بسبب عقوبات غير محددة المدة أو الهدف، بينما قامت روسيا بالتهديد ردا على العقوبات الغربية، بقطع إمدادات الطاقة عن أوروبا كلها، مما أدى إلى مزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة”.

وأضاف جنكينز: “الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن روسيا تحاصر حاليا موانئ البحر الأسود، التي يجري من خلالها شحن ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية إلى العالم، مما أدى لارتفاع أسعار الحبوب بنسبة وصلت إلى 48 بالمائة، مقارنة بالأسعار عام 2019”.

اقرأ ايضاً
الكرملين ينفي اعتذار بوتين إلى بينيت عن تصريحات لافروف بشأن يهودية هتلر

وشدد على أن هذا “تسبب في أزمة كبيرة بالأسواق، لا سيما في إفريقيا، في الوقت الذي أدى فيه إلى زيادة قيمة الصادرات الروسية من الحبوب“.

مخاوف من الشتاء

من جانبه، أعرب مدير أبحاث الاقتصاد الكلي العالمي بالمعهد الوطني البريطاني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية، كورادو ماكشياريلي، في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، عن اعتقاده بأن “أوروبا قد تواجه مشكلة كبيرة في الشتاء المقبل، إذا كانت الظروف الجوية قاسية للغاية”.

وعلل ذلك بالقول: “لأن المخزون على مستوى الاتحاد الأوروبي قد ينفد في وقت مبكر، إذا خفضت روسيا من الإمدادات، وبالتالي سيكون التساؤل الرئيسي هو إلى متى يمكن للدول الأوروبية التخلي عن النفط الروسي؟”.

وفي تقرير لمركز الأبحاث الأوروبي “بروغل”، المتخصص في السياسات الاقتصادية، فإنه بنهاية عام 2021، ظهر أمر مثير للاهتمام، باعتماد ميزان الطاقة في أوروبا بشدة لفصل الشتاء على الإمدادات الروسية والظروف الجوية المعتدلة في آن واحد.

وأوضح ماكشياريلي أنه “إن لم تكن هناك تدابير تتخذها دول الاتحاد الأوروبي، فقد يتسبب الأمر في ارتفاع الأسعار مجددا، مما يعرض الشركات والشعوب الأوروبية إلى ارتفاع فواتير استهلاك الطاقة، وزيادة الضغوط على الدخل، ومن ثم يجب النظر إلى الحرب الأوكرانية بتفكير عميق في تقديم خطط لتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية، كجزء من خطط التعافي”.

واتفق في ذلك الخبير المتخصص في قطاع النفط والغاز، سيريل ويدرسهوفن، الذي قال لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه “مع التخلي عن النفط الروسي ستشهد الاقتصادات الأوروبية على المدى القصير تضررا ملحوظا، في ظل الاعتماد على الواردات الروسية”.

ونوه إلى أن الأمر سيكون “أكثر فداحة بالنسبة إلى المستهلكين، إذ يرتفع الطلب العالمي على احتياجات النفط، في الوقت الذي يشهد المعروض مزيدا من القيود خلال الفترة المقبلة”.

وصدرت روسيا ما يقرب من 5 ملايين برميل يوميا من النفط في عام 2020، نصفها إلى دول أوروبية، لا سيما ألمانيا وهولندا وبولندا، حسب الإحصاءات الأميركية حول الطاقة.

وفي النصف الأول من عام 2021، حصلت بلغاريا وسلوفاكيا والمجر وفنلندا على أكثر من 75 بالمائة من إمداداتها من موسكو.

ركود أوروبي

وأشار المحلل الاقتصادي والزميل غير المقيم في مركز الطاقة العالمي التابع للمجلس الأطلسي، بول سوليفان، في تصريحات سابقة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أنه مع “اتخاذ بعض القرارات الكبيرة، مثل الحظر الكامل للنفط والغاز الروسي، فمن المحتمل أن يكون هناك ركود كبير، إن لم يكن كسادا، في العديد من دول الاتحاد الأوروبي، إذ إنها غير مستعدة لتخزين النفط أو توفير الإمدادات البديلة بشكل سريع حتى الآن”.

وأضاف: “الاتحاد الأوروبي يدفع فعليا ثمن الحرب ضد أوكرانيا، وهم يعرفون ذلك ويشددون عليه، خاصة أن البدائل الجاهزة ليست متوفرة في الوقت الراهن”.

وفي هذا الإطار، ذكرت المعاهد الاقتصادية في ألمانيا، أن “الوقف الفوري لواردات الغاز الروسي، من شأنه أن يدفع ألمانيا إلى ركود حاد العام المقبل”.